ياسر عرفات الرمز والظاهرة الوطنية المعاصرة شكل بشخصيته العملاقة الفذة ظاهرة واعجاز لا بل اسطورة عصره واذا ما قدر للحق والانصاف ان يفرض منطقه فان شخصية ابو عمار تاتي في مقدمة الرجال العظماء في القرن العشرين وحتى لا يقال عني بانني محابي او منحاز اقول للتذكر بان التاريخ سينصفه وسيكتب عنه وعن اسرار شخصيته الكثير في زمن التجني والمحاباة والانحياز ... زمن عاش فيه لمنطق القوة والعدوان واقع مفروض ومن بين هذا الواقع شكل بشخصيته حالة فريدة عجيبة غريبة كان لها الفضل في النقلة النوعية للقضية الفلسطينية وهذا اقل ما يمكن ان يقال عنه .
الشهيد الرمز ابو عمار كان ولا زال جامعا مانعا ... جامعا لشعبنا الفلسطيني بكل الوان الطيف السياسي ومانعا من الاختراق والتداعي لهذا الشعب الفلسطيني العملاق .. فلا عجب ولا غرو ان فرض احترامه على اعدائه قبل اصدقائه ولا غرابة ان احتار فيه الاصدقاء قبل الاعداء ...
حدثني شيخ طاعن في بداية السبعينات رحمه الله في وصفه للاخ ابو عمار كان عمري انتذاك 8 سنوات قائلا كان ابو عمار مع ثورة الشهيد الحسيني ولم يكن قد وصل عمره 18 عام كنا نرى فيه الفراسة وقوة الشكيمة والجلد والصبر والعزيمة كان يتدفق حيوية ونشاط كنت نسير في سفح جبل وشكلت الذخيرة عبء لنا في كيفية نقلها من منطفة غاية في الوعورة الى اخرى وفوجئنا بابي عمار يحمل على كتفه صندوقا من الذخيرة وبجانبه سلاحه يصعد بخفة ونشاط غير معهود من احد كان يتقدمنا جميعا ويوصل الذخيرة ثم سرعان ما يعود الينا حاملا محملا ... وعندما سالت عنه قالوا بانه قريب المرحوم عبد القادر الحسيني وهو من ال القدوة .
وفي حادثة اخرى يسجل لنا الاخ منذر ارشيد موقعة لقائه في حادثة انتقاله من الضفة الى سوريا وكيف انه اصيب بالغثيان من هذا الرفيق حتى انه وصف بانه اعتقد بان من يرافقه عميل يراد استجلابه الى معسكر الثورة للتحقيق ووصف السفر وطريقة تعامله معه بالفظة ولم يكن يعلم بان الذي بجواره هو ابو محمد " ياسر عرفات " ليفاجا في المعسكر بان يدعى الى مكتب القائد فيقول له ايه يا راجل ذبحتني بكوعك فما كان من الاخ منذر ان وقف مندهشا ثم سرعان ما يمضيا في حديثه المحبب مع ابنائه واخوانه ويضيف ابو العبد اخضر لنا الطباخ طعاما فسال ابو عمار رحمه الله هل هذا نفس الطعام الذي قدم للاخوة فيجيب الطباخ لا فما كان من ابو عمار الا ان حبس نفسه والطباخ لمدة 3 ايام على خطا لم يرتكبه هو نفسه .
والمقصود من هذه الشواهد هو فهم مكنوز الاسرار والعظمة عند هذا القا\ئد الاسطورة الذي جمع كل السمات في شخصه من تقوى وورع وايمان وتواضع وسمات قيادية قل ان تجدها في غيره واجزم بانها كانت له خصوصية فكان بحق اخ واب وقائد ومعلم لين وقت اللين وشديد وقت الشده عطوف متسامح ... متجهم خصم وصنديد في مواقف الحسم والرجولة .
ابا عمار اعجاز وموسوعة وحياته وشخصيته ارتبطت بها القضية الفلسطينية فحيثما تكون الكوفية حاضرة تكون صورة ابو عمار متلازمة وفورا تسير الى بوصلة فلسطين وحيثما تذكر اسم ياسر عرفات يرتبط هذا الاسم بمنظمة التحرير الفلسطينية وفلسطين وفتح ... اذن فياسر عرفات مثل التاريخ الفلسطيني المعاصر والحضور الوطني والثوري بجدارة واقتدار وكل ما تحقق من انجازات فلسطينية ارتبطت بهذا الاسم فحقا اننا والعالم امام اسطورة عصره .
واذا كان هذا هو ابو عمار قائدا ورمزا وعنوان وصمام امان فكيف يمكن لنا الا نفتقده وتفتقده الساحة العالمية وتفتقده فلسطين ... ياسر عرفات حالة فلسطينية وعربية وعالمية مثلت شخصيته سبقا في الاعجاب والتقدير والاعجاز والاسطورة واذا قدر لنا ان نحاكي مرحلة ما بعد فقدانه فاننا فورا نتوقف امام اسمه اجلالا واعتزاز واكبار ليبقى ابو عمار الشخصية المعنوية الخالدة في ذاكرة الفلسطيني الى يوم يبعثون .
ان رحيل ابو عمار ترك حملا ثقيلا وارثا عظيما يقر به كل من عرفه وعايشه ومضى معه في ظلال الثورة الفلسطينية المعاصرة هذا الفراغ ادى الى تشتت الخيوط عن المركز ... عن الجذب فحدث التداعي في الحراك المجتمعي الفلسطيني على كل الصعد واولها في فتح التي وقفت قيادتها امام حمل اعظم من ان يوفق قائد بشخصه في هضمه واستيعابه كما كان الرمز ... كانت صورة ابو عمار ولمجرد ظهورها توحد الكل خلف مسيرته المعارض قبل الميد له ولكن بعد ان رحلت هذه القيادة الاسطورة حدث ما كان من خشية وخوف ... حدث التمرد الداخلي من خلال التجاذبات والتنافرات في البيت الفتحاوي وظهر الانكشاف والعجز وعندما نوصف هنا هذه الصورة فاننا في المقابل نقول لو قدر للقيادة ان تحمل المسؤولية الجماعية لكانت هذه القيادة قد وفرت كثيرا وقاربت اكثر من الابقاء على الخيوط ولكن شهوة البعض الذين لم يكونوا في ظل الرمز قادرين على الخروج كانوا قد خرجوا وفي هذا الخروج كانت الازمة الداخلية والاتهامات والتناحر الخفي على مذبح الاوهام وكل وله فاتورة تدفع على الحساب .
هنا لا اشكك بحلم ومقدرة الاخ ابو مازن ولكن مهما كانت الاوراق التي يمتلكها هذا الرئيس الجديد لشعبنا قوية الا انها في ظل المستتر من الازمة سرعان ما تجدها اقل حدية وحسما وسيطرة على الاستعار ونعلم تماما بان قيادة ابو مازن اخذت بالاسباب وسعت الى التقليل من حجم الاضرار العاصفة والخارجة عن الارادة والتي لا يمكن ان يوقفها جرة قلم او اصدار مرسوم وقرار واذا اردنا هنا ان نستلهم حكمة من الرمز في وصف مرحلة صعود الرئيس لكان وصفنا فيما قاله الشهيد عندما سئل عن نمط سيره بشؤال هل تسير اخ ابو عمار في خط مستقيم فكان رده بعصبية القائد الملهم والمحنك والمبصر وهل ترى ان الذي يسير في حقل من الالغام يسير في خط مستقيم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ هذه هو ارث ابو عمار للاخ ابو مازن ..... شفافية الاخ ابو مازن لم تعفيه من القدر الذي يواجه والتحدي الذي يفرض نفسه فكان الله في عونه ومع كل ما اجاد من عمل اداري وحنكة وانات وصبر الا انه بهذه الروح القيادية البرغماتية لم تعطيه قوة الامساك بالاوراق كما كان سلفه ... ان شخصية الاخ ابو مازن وحكمته وحلمه لم تكن لتمنع القادم ولا لتسمح بالحسم المعهود لدى سلفه فالفرق بين المرحلتين والشخصيتين لا يقلل من احترام ولا من قيادة الرئيس ابو مازن لسبب انه وان كان حتى الاخ الرئيس فيه من السمات ما تجاري الاسطورة والرمزية الا ان التشكيل النفسي الوطني بقي قائم على شخصية ابو عمار الكرمزية من مناظر رمزيتها المفضلة والمحببة لقد سقطت مقولة النوعية والتفوق والاسطورة من مخيلة الشعب الفلسطيني وجماهير فتح عبر ان لا استثناء بعد ابو عمار ولا خوارق او رمزية او اساطير فالنظرة والتعامل والهيبة والوقار جميعا تماهت وتلك اشكالية في المواجهة والتحدي وابو مازن لم يعد من الخوارق .
وامام هذا التوصيف بعمقه وبنائه فان متوالية الاحداث قد سارت وفق قانون المفاضلة والاصلح على الساحة الفلسطينية .
ان الانطباع الاسطوري في ذهنية الشعب وحركة فتح لم يعزز من الامال بل تركها معلقة تتجرع الالم على كل حدث وتربطه بالاسطورة والتمني وهنا ايضا من الحواجز ما فرض على السياسة الجديدة فالدونية والنظرة والمقارنات والمفارقات وحواشي الماجوج من السموم شكل حملة اعلامية اقل ما يمكن ان يقال عنها باستمرارية عقلية المؤامرة وحشو العصي في دواليب التحرك الوطني وتغذية حملات التحريض وتقاطع الاشاعات والتضخيم في التصوير وفتح هنا سبقت اعداءها في شعارات محاربة الفساد والفلتان والمحسوبيات وتساوقت في حضورها مع دعاية المعارضة وتقبلت الاخذ والاستقبال مما شجع على التطاول واظهر حجم الوهن الذي تبعه خطة ماكرة من حماس في توسيع هذا الوهن وتكريسه عبر الاحتراق والشراء والتعامل مع الرشوة والاغراء فمن شعار المحاربة الى شعار التكريس لمزيد من الفساد والتخريب مظهرة حمى وشهوة التمسك بالسلطة باي ثمن وباي اسلوب او وسيلة المهم احتكار الكرسي
ان تعداد الاخطاء والوقوف عندها يقودنا الى ان حركة فتح لم تتعلم الدرس من اول مرة بل انه كان لا بد من درس اخر وهو درس الانقلاب لتستفيق وتستيقظ ومع كل نتائج الانقلاب الا ان اسلوب المعالجة لا زال اسلوب تعويلي على حدوث شيء خارق بقدرة قادر يعيد الشرعية ويكنس الانقلابيين ... ان الزمن لا يسير في صالح القضية الفلسطينية ويكرس واقع جديد وهنا اسجل نقدا واحمل مسؤولية اخرى للقيادة الفتحاوية التي لم ترقى في مسؤوليتها لحجم الاخطار بل انها تنتظر من السلطة ان تحمي المشروع الوطني وكان موضوعة الاستهداف باتت قيادة حركة فتح في حل من امرها ... ان اقرب ما يمكن ان يقال هنا بانها عقلية التخاذل واستحقاق القيادة دون ثمن او ايثار ؟؟؟ وهذه قيادة اذا ما بقي الصمت بادي عليها يمكن ان نصنفها في خانة الانتهازية والجبن والمصلحة وعليها ان تنحي نفسها من سدة القيادة وعلى كوادر الحركة ان ينهضوا مطالبينها باجابات واضحة عن كل اسباب الاخفاق والتلكؤ والاستهتار مطالبين بخطة فتحاوية تاخذ في الحسبان عوامل التصعيد والنهوض في مواجهة طغمة الانقلاب ... حطة وطنية وقيادة اخرى لمنطمة التحرير والفصائل النتضوية تحت لوائها وخطة للسلطة واجهزتها في متوازية من الفعل الموجه والمتصدي لقوى المؤامرة ومليشياتها الاجرامية وعليها ان توفر كل مقومات الدعم والاسناد والتعزيز لهذه الخطة الشاملة ليعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون .
ان موقف السلطة المركزية موقف انشائي لا يلبي حدود التغيير الدنيا في المعالجة لا بل انه يساهم ميدانيا في تثبيت الامر الواقع ونظريا يتمترس خلف موقف يفتقد لغطاء عملي يقود الى استسلام المتمردين . ولن نريد هنا ان نطرح تعويلات البعض في الحلول التي لا تجلب لنا الا مزيد من الايغال في التشكيك وتعزز من حظوظ هذه الفئة المارقة والخارجة عن الشرعية والقانون